• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | اللغة .. والقلم   أدبنا   من روائع الماضي   روافد  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    الشرح الميسر على الآجرومية (للمبتدئين) (6)
    سامح المصري
  •  
    البلاغة ممارسة تواصلية
    د. أيمن أبو مصطفى
  •  
    الحال لا بد لها من صاحب
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    البلاغة ممارسة تواصلية النكتة رؤية تداولية
    د. أيمن أبو مصطفى
  •  
    الإعراب لغة واصطلاحا
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    مفهوم القرآن في اللغة
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    أهمية اللغة العربية وطريقة التمهر فيها
    أ. سميع الله بن مير أفضل خان
  •  
    أحوال البناء
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    وقوع الحال اسم ذات
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    ملامح النهضة النحوية في ما وراء النهر منذ الفتح ...
    د. مفيدة صالح المغربي
  •  
    الكلمات المبنية
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    بين العبادة والعدالة: المفارقة البلاغية والتأثير ...
    عبد النور الرايس
  •  
    عزوف المتعلمين عن العربية
    يسرى المالكي
  •  
    واو الحال وصاحب الجملة الحالية
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    تسع مضين (قصيدة)
    عبدالله بن محمد بن مسعد
  •  
    أهل القرآن (قصيدة)
    إبراهيم عبدالعزيز السمري
شبكة الألوكة / حضارة الكلمة / روافد
علامة باركود

حول المقال الثاني للأستاذ أحمد أمين (التجديد في الأدب (2)) [3]

حول مقال أ. أحمد أمين (التجديد في الأدب (2)) [3]
د. عبدالوهاب عزام

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 22/2/2020 ميلادي - 27/6/1441 هجري

الزيارات: 6698

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

حول المقال الثاني للأستاذ أحمد أمين

(التجديد في الأدب (2)) [3]


قرأت المقال الثاني الذي تكلم فيه الأستاذ عن (التجديد في العبارة (2))، فرضِيت آراءً وأنكرتُ أخرى، وأول ما أُخِذ على المقال أنه لم يُحكِم تحديدَه، فالقارئ يُحس أن كاتبه أراد أن يعالج التجديد في المعنى والعبارة معًا.

 

يقول الأستاذ في مستهل مقاله: (واليوم أعرِض لضربٍ آخرَ من ضروب التجديد، وهو التجديد في العبارة، وأعني بالعبارة الجملة التي يؤدَّى بها المعنى على اختلاف ألوانها؛ من حقيقة ومجاز وتشبيه واستعارة وكناية)، ولست أدري كيف يكون التجديد في التعبير الحقيقي؟ الحقيقة لفظ مستعمل فيما وُضع له، فإذا اتَّفق معنى لشاعر في الجاهلية، فأدَّاه بألفاظ حقيقية، ثم وقع المعنى بعينه لشاعر معاصر، فأراد الإبانة عنه بلفظ حقيقي، لم يمكن التجديد في الأداء إلا بالإسهاب أو الإيجاز، وليس هذا ما يريده الأستاذ، أو بإيثار لفظ حقيقي على آخر مثله، وهذا يرجع إلى بحث الألفاظ الذي فرَغنا منه في مناقشة المقال الأول، إذا أراد شاعر معاصر أن يُبين بألفاظ لا تجوز فيه عن قول القتال الكلابي:

ولما رأيت أنني قد قتلتُه *** ندمتُ عليه أي ساعة مندم

 

لم يستطع هذا تغييرًا يلائم العصر الحاضر، ولم يواته إلا أن يضعَ أبصرتُ مكان رأيتُ، أو أسفت موضع ندمت، أو يقدِّم أو يؤخر في الكلمات، وليس هذا هو التجديد في العبارة الذي عناه الأستاذ؛ أي: تجديد في العبارة يستطيعه قائل يريد أن يترجم عن هذا المعنى.

 

يقيم الرجال الأغنياء بأرضهم *** وترمى النوى بالمقترين المراميا

 

إنما يُمكن التغيير في المجازات والكنايات والتشبيه والتمثيل، مما يمكن فيه تأدية المعنى الواحد بطرق مختلفة، وتصوير الحقيقة الواحدة بصور شتى وألوان عدة تنجلي فيها أثرُ الخيال والمعايش المختلفة، والأزمان والبلدان المتباينة، وهو موضوع لا يغني فيه الإجمال ولا غنى به عن التفصيل:

1- بعض المجازات والكنايات جرت مجرى الحقائق حتى نُسي أصلُها أو كاد، ولا يدرك فيها التجوز أو الكناية إلا بالبحث والرجوع بالكلمات إلى أقدم أصولها المعروفة، وذلك مثل أسبل المطر، فلان زميل فلان، وأرهقه العمل، وراض نفسه على الأمر، ودهماء الناس، وأمثال هذا مما شاع استعماله حتى ساوى مجازه الحقيقة، أو غلب عليها، فلم يبقَ المعنى الحقيقي شاهدًا بأصل الاستعمال ودالًّا على التجوز في غيره، كما يعرف التجوز في قولنا زلَّ في رأيه، وزرع المودة في قلبه، وسمع زئير الحرب، ببقاء هذه الألفاظ معروفةً ذائعة الاستعمال في معانيها المحسوسة. وحكم هذا المجاز حكم الحقيقة لا تجديد فيه، ولا تغيير على الأسلوب الذي يريده الأستاذ أحمد أمين.

 

2- وأما المجازات التي يظهر فيها التجوز، ويَبينُ فيها التخيلُ، فبعضُها يَخترعه الكاتب البليغ الذي يحس في نفسه المقدرة على تصريف الكلام وخلق العبارات، وهذا مأخوذ من عقل الكاتب أو المتكلم وإحساسه وعلمه، كما يُسمي الجمل سفينة الصحراء، ويسمي الرجل الجريء أسدًا وذئبًا ... إلخ، وكما يسمى أحدنا الغواصة مثلًا نسر الماء، ومنطاد زبلين حوت الهواء، ويقول عن خبر فظيع جاءه بالتلغراف: هذه إحدى صواعق البرق، ويشبه الرجل العليم بأخبار العالم وأحواله بالراديو ... إلخ، وينبغي ألا ننسى أن علم الإنسان وعقله ليسا مقصورين على البيئة التي يعيش فيها، بل من هذه البيئة ومما رأى أو سمع عن بلادٍ غابرة أو حاضرة، وأمم ذاهبة أو قائمة، فقد يسوغ للكاتب المصري أن يستمد مثلًا أو تشبيهًا مما يعرف عن أمم الإسكيمو، أو مما عرف عن الأمة المصرية القديمة، أو الأمة العربية قبل الإسلام، أو من خرافات اليونان الأقدمين، فإذا قال عن رأي سيئ يظهر بمظاهر مختلفة: إنه غول متلونة، أو عن فكرة سخيفة في نفس باردة: إنها كواحد من همج الإسكيمو يقطُن بيتًا من الثلج، لم يكن لأحد أن يقول له: إنك لم تر الغول ولا عاشرتَ الإسكيمو، فينبغي أن يكون بيانك خاليًا من التشبيه بهما، وإنما شرط هذا أن يكون مصدر المجاز أو التمثيل معروفًا لا يقف بالقارئ عند غموض أو إغراب.

 

وضرب من المجازات وما إليها ينشأ هذه النشأة، ثم يذيع وتتداوله الأجيال؛ حتى يصير مظهرًا لبيان الأمة وخيالها، لا لخيال كاتب أو متكلم كالذي ورِثناه في لغتنا عن بلغاء العربية في الجاهلية والإسلام.

 

وهذا جديرٌ بالاستعمال، فكلُّ كاتب أو متكلم أن يتوسَّل به إلى البيان، وإن كان مصدره غريبًا غير مألوف، بل ينبغي المحافظة عليه بما يبين عن تاريخ الأمة وحياتها في طور من أطوارها.

 

فلا عيب أن يقول القائل: أخذه برُمَّته، وترك حبله على غاربه، وما له خف ولا حافر، ورموا عن قوس واحدة، وأعطى القوس باريها، وألقى عصاه، والقافلة تسير والكلاب تنبح، كالمستجير من الرمضاء بالنار، كمهدي التمر إلى هجر، أعقد من ذنب الضب، أعدى من الشنفري، مرق مروق السهم، أختلط الحابل بالنابل، أهدى من القطا، وهلم جرًّا.

 

ولغات الأمم الأخرى حفظت كثيرًا من عاداتها وتاريخها، ولست أضرب مثلًا باللغة الفارسية أو التركية أو الأردية، فهي لغات شرقية لا تصلُح حُجة في هذا العصر، ولكن أضرب مثلًا من اللغة الإنكليزية والفرنسية؛ يقال في الإنكليزية لمن يبالغ في كلامه: (ينزع في القوس الطويلة)، ولمن يخير بين أمور عدة: (عنده أوتار لقوس واحدة)، وهذه العبارة الأخيرة في اللغة الفرنسية أيضًا، ويقال في الإنكليزية في تقدير المسافة: (على رمية سهم)؛ كما يقال في العربية: (مقدار غلوة)، ويقال في الفرنسية لمن يتوسل إلى غايته بكل وسيلة: (يبري سهامًا من كل خشب)، وأمثال هذا كثير، فما منع الإنكليز والفرنسيين استبدالهم بالأقواس والسهام آلات الحرب الحديثة منذ مئات السنين أن يبقوا على العبارات التي حدثت في عهد الأقواس والسهام.

 

لست أقول ينبغي أن نلزم العبارات القديمة، ونأبى كل عبارة حديثة، فلا أحد يستطيع أن يحول بين الناس وبين الإبانة عما في أنفسهم بوسائل مشتقة من حياتهم، ولكني أخشى أن تكون الدعوة إلى الجديد دعوة إلى هجر القديم، ونحن في هذا العصر - عصر الفتن - أحوج ما نكون إلى التمسك بالقديم، والاستمساك دون التهافت في التقليد، والضلال بين القديم والجديد، ومن يُمعن النظر في صحفنا ومنشآت طلبتنا يعرف كيف تركنا كثيرًا من عباراتنا الجيدة الموروثة إلى عبارات غثة ضعيفة لا تكاد تبين عما وراءها.

 

ثم يتكلم الأستاذ عن مسايرة الأدب الغربي للزمن ووقوف الأدب العربي، فيقول: (ذلك بأن الأدب الغربي ساير الزمان، واعترف بكل ما حدث فيه، واستمد منه، على حين أن الأدب العربي الحديث أَغمض عينيه عن كل ما كان، ولم يعترف بوجوده ... إلخ).

 

ولو رددنا الأمور إلى نصابها وتجاوزنا ظواهرَ الأمور إلى بواطنها، ما رأينا في هذا قصور الأدب العربي، ولا عجز أدباء العربية، بل عرَفنا فيه قصورنا في العلوم والفنون الحديثة أو حداثة عهدنا بها.

 

الأدب تُرجمان الحياة العامة، فهو لا يتناول مسائل علم واصطلاحاته، حتى تشيع أوليات هذا العلم بين الأمة شيوعًا يدخل مصطلحاته في لغة التخاطب، ولا ينبغي للأديب أن يدخل في الأدب المسائل العلمية أو الأسماء التي لا تزال مقصورة على العلماء المختصين بها، فإذا جاوزتهم إلى جمهور الأمة ودخلت في لغة الكلام، ساغ للأديب أن يتناولها في الكيمياء مثلًا مسائل عويصة لا يعرفها إلا علماء الكيمياء، فهذه المسائل ستبقى وقفًا على العلماء مخبوءة بين أجهزة الكيمياء، ولن تخرج إلى لغة الخطاب العامة، فتدخل في الأدب إلا أن تصير الأمة أو جمهورها من علماء الكيمياء، وهناك مسائل من أوليات هذا العلم كصفات الأحماض، وتأثير بعض العناصر في بعض، وهذه تدخل في اللغة العامة، وتتهيأ للدخول في الأدب حين يشيع في الأمة علمها، فلا يختص بها الكيميائيون، ومن أجل هذا تجد طلاب الفلسفة أو الطب أو النحو يتفكَّهون بتشبيهات من هذه العلوم لا يفقهها غيرُهم؛ إذ شاع علمها بينهم وصلحت للدخول في لغة تخاطبهم، وإذا رجعنا إلى تاريخ الأدب العربي، عرفنا أن اصطلاحات الفلسفة والمنطق وغيرهما لم تدخل في الأدب أول عهد المسلمين بهذه العلوم، ثم شاعت بعض قضاياها واصطلاحاتها، فساغ لأبي نواس وأمثاله أن ينظموها في شعرهم؛ كما قال أبو نواس:

تأملُ العينُ منها
محاسنًا ليس تنفد
فبعضها (يتناهى)
وبعضها (يتولد)

 

فالتناهي والتولد من اصطلاحات الفلاسفة، وكما قال البحتري:

وكأن الزمان أصبح (محمولًا) *** هواه مع الأخس الأخس

 

فهو فيما أظن يشير إلى قول المنطقيين: إن النتيجة تتبع أخس المقدمتين، وكقول المعري:

طرق العلى مجهولة فكأنها *** (صم العدائد) ما لها (أجذار)

 

أدخَل في شعره من أسماء الحساب العدد الأصم والجذر وكقول الفارابي في اصطلاحات الهندسة:

وهل نحن إلا خطوط وقعن
على كرةٍ وقع مستوفز
محيط السماوات أولى بنا
فماذا التنازع في المركز؟

 

وقد يكفي في هذا أن تشيع القضية العلمية بين المتأدبين من الأمة، ولا ينتظر بها أن تشيع بين الجمهور، ولا يتسع المجال للإفاضة في البيان هنا.

 

ومهما يكن الأمر، فقد غلا الأستاذ؛ إذ قال: (أما الأدب العربي، فيحارب مترليوزا بقوس وسهم، ويضيء في أدبه سراجًا بزيت والناس قادمون على أن يغيروا المصباح الكهربائي بخير منه، ويبكي الأطلال ولا أطلال، ويحن إلى سلع ولا سلع، ويستطيب الخزامى والعرار، ولا خزامى لدينا ولا عرار)، هل يستطيع أستاذنا أن يعرفنا بشاعر أو كاتب في مصر أو الشام والعراق يفعل هذا؟

 

ويقول الأستاذ: (وسببٌ آخر من أهم الأسباب في فقر الأدب العربي في التعبير، هو أن الأدب العربي الحديث أدب أرستقراطي لا أدب شعبي)، وأنا لا أخالف هذا الرأي في جملته ولكن لي فيه مآخذ.

 

(1) ليس حقًّا أن أحاديث الخاصة من متعلمينا وتنادرهم وفكاهاتهم باللغة العامية، فأحاديث الخاصة من المتعلمين أقرب إلى لغة الكتابة من اللغة العامية، ومراقبة مجلس الأدباء والعلماء تشهد بما أقول.

 

وفي هذا نفسه بيان خير الوسائل إلى ما دعا إليه من (إزالة الحواجز القوية بين العامية والعربية على أي وجه يرضاه قادة الأمة)، وذلك أن قرب أحاديث الخاصة من لغة الكتابة، يُبين لنا الطريق التي ينبغي أن نسلكها لإزالة هذه الحواجز، فليس لنا من وسيلة إلا أن ترقى العامة حتى تستطيع أن تفهم عن الخاصة إذا حدثتها، فكلما شاع التعليم في الأمة ارتقت العامة إلى مستوى أقرب إلى لغة الأدب، ونحن اليوم سائرون في هذه السبيل، وقد سمعت في السنين الأخيرة جماعة من العامة وأشباه العامة يخطبون ويتكلمون بلغة لا تخالف لغة الكتابة إلا قليلًا، وآلاف المتعلمين من طلاب مدارسنا، وآلاف القارئين الذين يستطيعون مطالعة الصحف والكتب، عاملون كل يوم للتقريب بين العامية والفصحى.

 

(2) ثم قد غلا الأستاذ حين قال: (وكل أمة قد كسبت من توحيد لغتها الكلامية والكتابية ما لا يقدر، فقد أصبح الشعب كله منتجًا أدبًا وتعبيرًا قويًّا)، ليس في العالم شعب ينتج كله أدبًا قويًّا، ولا يزال الخاصة من الأدباء هم منتجي الأدب وأئمته، بل أتفه الأدباء أقربهم إلى العامة، فلا يزال عند الأوربيين فوارقُ بين أدب العامة وأدب الخاصة، وستبقى هذه الفوارق ما دام اختلاف العلماء والجهال في عقولهم ومشاعرهم، وكل الذي نبغيه أن يلتقي العامة والخاصة في مقدار من الأدب مشترك هو أعلى ما تسمو إليه العامة، وأدنى ما تنزل إليه الخاصة، ولن يزول الفارق بين الأدبين أبدًا.

 

وكيف يوفِّق الأستاذ بين دعوته إلى أن يساير الأدب العلم، وتستحكم الصلة بين كلية الآداب وكلية العلوم، وبين دعوته إلى توحيد الأدب والمساواة فيه بين الخاصة والعامة، أيمكن أن يكون جمهور الأمة آخذًا بحظه من كلية العلوم أيضًا.

 

(3) ثم الفكاهات والنوادر؛ يقول أستاذنا الفاضل: (حسبُك دليلًا على ذلك أن النكت والنوادر - وهي من أهم أركان الأدب - لا تجد منها سائغًا في أدبنا العربي عشر معشار ما تجد في الأدب العامي، وإن النادرة تُحكى بالعامية، فنضحك إلى أقصى حد، ثم تحكيها باللغة الفصحى فتخرج باردة تافهة).

 

نظر الأستاذ إلى هذه القضية من جانب واحد، والحق أن النكتة تبلغ مبلغها فيما وقعت فيه من حال وعبارة، فالذين يشهدون الواقعة المضحكة أو يسمعون الكلمة المضحكة أكثر ضحكًا لها ممن رويت لهم في غير أحوالها، أو بغير ألفاظها، بل ينطق الرجل بالكلمة فيضحك لها الناس، فإذا رواها غيره بلفظها في مثل حالها لا تبلغ من النفوس ما بلغته أول مرة، لما فاتها من أثر القائل الأول، فإذا اختلفت العبارة، فأحرى أن يختلف التأثير، فإذا ترجمت الفكاهة من لغة إلى أخرى، ضاع أثرها كله أو بعضه، وإذا نقلتها من عبارة إلى أخرى في لغة واحدة، لم تبق على حالها الأول، فإن تكن النكت العامية تبرد إذا نقلت إلى العربية الفصحى، فكم من نادرة فصيحة تموت إذا نُقلت إلى العامية، وكثير من فكاهات الجاحظ و(كتاب الحمقى والمغفلين) لابن الجوزي، لا يُمكن نقلها إلى العامية؛ فالفكاهات المتعلقة بالنحو والعروض والفقه ونحوها وكثير منها، يَضعُفُ أثرُه وإن أمكن نقله، وإلَّا فكيف تترجم إلى العامية هذه العبارات:

قال رجل للحسن: يا أبا سعيد، فقال: كسب الدرانيق شغلك عن أن تقول يا أبا سعيد، وقدم رجل من النحويين رجلًا إلى السلطان في دَينٍ له عليه، فقال: أصلح الله الأمير لي عليه درهمان، قال خَصمه: لا والله أيها الأمير، إن هي إلا ثلاثة دراهم، لكنه لظهور الإعراب ترك من حقه درهمًا، واعتبر كل ما في كتب الأدب من مُلح تجد أكثرها يجري هذا المجرى.

 

ولا ريب أن لغة التخاطب ولغة الكتابة، أو لسان العامة ولسان الخاصة، كانا متقاربين في عهد الجاحظ، ولم يكن بينهما ما بين الفصيحة والعامية اليوم، ولكن الفكاهات إذ ذاك كانت كما هي اليوم لا تصلح للنقل من لغة إلى أخرى؛ قال الجاحظ:

(ومتى سمعت حفِظك الله بنادرة من كلام الإعراب، فإياك وأن تحكيها إلا مع إعرابها ومخارج ألفاظها، فإنك إن غيَّرتها بأن تلحَن في إعرابها، وأخرجتها مُخرج كلام المولدين والبلديين، خرجت من تلك الحكاية وعليك فضل كبير، وكذلك إذا سمعت بنادرة من نوادر العوام ومُلحة من مُلَح الحشوة والطغام، فإياك وأن تستعمل فيها الإعراب، أو أن تتخير لها لفظًا حسنًا ... إلخ).

 

وكذلك يقول قدامة بن جعفر في كتاب نقد النثر: (وللفظ السخيف موضعٌ آخر لا يجوز أن يستعمل فيه غيره، وهو حكاية النوادر والمضاحك وألفاظ السخفاء، فإنه متى حكاها الإنسان بغير ما قالوه، خرجت عن معنى ما أُريد بها وبردت عند مستمعها).

 

(4) وبعد فلا ينبغي أن تسفَّ لغة الآداب العالية إلى مستوى العامة، بل يجب أن ترقى العامة إلى مستوى لغة الآداب، أو ما يقرُب منه، على أن هذا التباعد بين ما يسميه الأستاذ (الأدب الأرستقراطي)، وما نسميه (الأدب الشعبي)، مظهر واحد من مظاهر الاختلاف بين عامتنا وخاصتنا، بين الفريقين تفاوت عظيم في العقل والمعرفة والأزياء والمساكن وطرائق المعيشة، ولا بد من تقريب المسافة بين العامة والخاصة في هذا كله قبل أن يشتركا في لغة واحدة، ويستمتعا بأدب واحد، فإن الأدب الصحيح تُرجمان معيشة الأمة.

 

المصدر: مجلة الرسالة، العدد 10، بتاريخ: 01 - 06 - 1933م





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • حول مقال أ. أحمد أمين (التجديد في الأدب) [1]
  • حول مقال أ. أحمد أمين (التجديد في الأدب) [2]
  • التجديد في الأدب (3)

مختارات من الشبكة

  • خطبة حول التبغ والتدخين ورسائل حوله(مقالة - ملفات خاصة)
  • القول الصحيح حول حديث رهن درع النبي صلى الله عليه وسلم وكشف الشبهات حوله(مقالة - آفاق الشريعة)
  • معالم المقال الناجح(مقالة - حضارة الكلمة)
  • مقالات فكرية حول الحريات والحقوق بين الإسلام والعلمانية والليبرالية (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • حول مقال الحمى داء ودواء(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • الصنعة اللغوية في المقال العلمي الدكتور: "أحمد زكي نموذجا"(مقالة - حضارة الكلمة)
  • آراء الغزالي وابن تيمية في الحد المنطقي(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من حكم شعرية في شعر فضيلة الشيخ الشاعر عبدالله بن علي العامري(مقالة - حضارة الكلمة)
  • هولندا: برنامج عن المتحولين إلى الإسلام(مقالة - المسلمون في العالم)
  • خطوات في تحرير المقال(مقالة - حضارة الكلمة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 16/11/1446هـ - الساعة: 14:43
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب